ويليام وماريا... قصة حب ولَّدها الألم
عندما حانت الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الرابع من آب ٢٠٢٠، سمع أخبار عن حريق قد شبَّ في مرفأ بيروت. ركض عشرة عناصر من فوج إطفاء بيروت القائم في الكرنتينا لإطفاء الحريق، الذي على علمهم مجرّد حريق. لكن ما إن مرَّ الوقت وحانت الساعة السادسة والسبعة دقائق، حلت الكارثة ودوَّى انفجار كبير في العنبر رقم ،١٢ وسمع دوي الإنفجار في جميع المناطق اللبنانية...
حلت الكارثة وابتلعت عناصر فوج الإطفاء الذين قدموا للوطن خدمة في عملهم فوقعوا شهداءه... و لكل منهم كان هناك حلم يسعى من أجله. اليوم نتكلم عن شهيدين منهم جو نون وسحر فارس الذين وقعا شهداء يوم "الثلاثاء الأسود"... "سحر" التي كانت سترتدي فستانها الأبيض وتزف الى منزل زوجها، زفت عروس الى مثواها الأخير، و"جو" الذي كان النجاح والقوة هدفه الدائم لقي حتفه في الرابع من آب، توقف قلبه عن النبض في زهرة شبابه في وقت كانت هناك أشياء جميلة تنتظره...
عائلتا "جو" و"سحر" كانا ولا يزالان يبحثان عن الحقيقة وتحقيق العدالة، آملين الوصول إليها... لكن الأجمل من المكافحة التي لا تنتهي صلاحيتها في عائلة كل منهما، أن فردين من العائلتين جمعهما "سحر" و"جو" بقصة حب مفعمة بالإيمان والآمال، وهما "ويليام" و"ماريا". ويليام شقيق جو وماريا شقيقة سحر، قصتهما هزت الوطن وأكدت بأن الأمل المزروع في قلوب اللبنانيين لا يموت...
تبدأ القصة من تحركات الرابع من آب المتواصلة بلا نهاية، حيث أطل كل من ويليام وماريا في برنامج "مش فالين" عبر "صوت لبنان" ليتكلموا عن قصتهما كيف بدأت وكيف تستمر... تبدأ ماريا بالتحدث عن القصة وتذكر بأنها اجتمعت مع ويليام في التحركات التي كان يقيمها أهالي شهداء المرفأ، كما أنهم اجتمعا مع أهالي ضحايا فوج الإطفاء في التحركات، وبدأوا بتخصيص جلسات خاصة لهم يتحدثوا فيها عن القضية المستجدة وأحداث أخرى أيضًا. وخلال هذه الجلسات دق الحب باب ويليام الذي كان حاضرًا في جلسات فوج الإطفاء. وتقول ماريا بأنه كان يخترع قصصًا غير مهمة ومفاجئة ليتكلم معها ويزورها دومًا في مكتبها ليراها ويطمئن عنها، ولم تكن تلاحظ ذلك في البداية. مرَّ وقت طويل كان ينظم بها أهالي فوج الإطفاء جلسات خاصة لهم، وعندما يتغيب ويليام تلاحظ ماريا غيابه. ومن بعدها، قرروا تنظيم مخيم كي يجتمعوا، ويوم الذهاب الى المخيم قرر ويليام أن يخرج عن صمته ويعترف بحبه لماريا. كان حديثه جديًا، فيقول بأن ليس الأمر سهلاً بل يتطلب جدية لأنه مستقبل ومصير... قبلت ماريا بأن تكمل حياتها مع ويليام فهو، لا يمازحها بل يريد أن يكون حبهما مكللاً بالزواج وبناء العائلة... ذهبت ماريا لتخبر أهلها وويليام كذلك الأمر، فعمت الأفراح في أرجاء منزل ويليام ومنزل ماريا بعد كل الحزن الذي عاشوا به يوم خسروا "سحر" و"جو"، وكأن هذه القصة أتت لتطيب الجرح والحزن والألم... تطورت علاقة الحب وبدأ ويليام وماريا يجتمعا سويًا... وبعد الخطوبة، كان زواجهما اليوم في العاشر من أيلول.
وبالعودة الى إطلالة ماريا وويليام، تسأل المذيعة ماريا عن ويليام وشخصيته فتجيب ماريا: "صحيح أننا نرى ويليام غاضبًا دومًا، لأن قضية مثل هذه لا تتطلب العمل بحب وصبر، بل تتطلب قوة ومكافحة، لكن في قلب ويليام طفل صغير وقلب أبيض يعرفه فقط أهله وأخوته، والآن هي، وهذا ما تأكدت منه يوم اعترف بحبه لها".
جميل أن يولد الأمل من رحم الألم ومن رحم المعاناة... جميل أن تدق طبول الفرح والإبتهاج بعد أن دقت طبول الحزن والوداع، يوم رحيل أبطال عن هذه الأرض...
ويليام نون وماريا فارس، إجتمعا "عالحلوة وعالمرة"، وسيكملان حياتهما "عالحلوة وعالمرة"... كم هو مؤسف أن "سحر" و"جو" ذهبوا قبل رؤية شقيقيهما يوم زفافهما، لكن كم هو مفرح أن "سحر" و"جو" في رحيلهما عن هذه الأرض، جمعا قصة حب بين أخوتهما ستدوم الى الأبد...
ماريا وويليام يتكللان اليوم، لكن القضية التي جمعتهما لن يتوقفوا عن المكافحة من أجل تحقيق الهدف منها "العدالة". وكما تكلل الحب بالزواج، كلنا ثقة بأن تتكلل المقاومة المستمرة من أجل الشهداء بالعدالة والمحاسبة.