ما بين الضاحية وطرابلس
قام لبنان، منذ تأسيسه ومنذ إعلانه دولة لبنان الكبير، على فكرة "التنوع الطائفي"، إلى أن أضفت الطائفيّة ألوانها على الصيغة اللبنانية خصوصًا بعد الحرب الأهلية، صيغة التقاسم الطائفي للمناصب السياسيّة والاداريّة. وباتت الإدارة اللبنانيّة واحة لأطراف السياسة المتحكّمين يسرحون ويمرحون عبر مجموعاتهم الفاعلة وغير الفاعلة من الموظفين الذين وُجدوا لتأمين أوامر ومصالح أسيادهم في الإدارة العامة، ومنها الى الشارع الذي بات يستثمر طائفيًا ومذهبيًا "غب طلب" الزعيم، فإن كانت مصلحته الحوار والتلاقي يصبح الآخر شريكًا لنا، وإن تحولت المصلحة الخاصة الى "التقوقع" يصبح الآخر الوحش الذي سيلتهمنا وعلى الحاشية أن تهبّ لحماية زعيم الغابة!
وبينما نحن نعيش على وقع هذا النموذج في السيّاسة المحليّة، برزت علامة فارقة خلال يومين بين الضاحية المطبوعة بالمذهبية سياسيًّا، وبين طرابلس المصبوغة بالتطرّف إعلاميًا.
هذه العلامة الفارقة رسمها رئيس المجلس التنفيذي لـ"مشروع وطن الانسان" النائب نعمة افرام الذي خرق هذين الطابعين المزعومين، وتحدث باسم مسيحيّته عن إنسانية "الإسلام" وعن "القيم الإنسانية التي تجمعنا" وذلك، بدعوة من المجمّع الثقافي الجعفريّ للبحوث والدراسات الإسلاميّة وحوار الأديان.
المكان في الضاحية الجنوبية، في إطار مؤتمر الإمام الحسين الثامن تحت عنوان "القيم الإنسانيّة تجمعنا". تحدث افرام عن لبنان "وطن الانسان" عن الدولة الجامعة، مستشهدًا بأقوال الامام الحسين عن "الإصلاح في الأمة" التي لا تفرقة فيها بين إنسان وإنسان، "الإصلاحُ الأخلاقيّ، وإصلاحُ الدولةِ، وإصلاحُ المؤسّسات، وإصلاحُ السياسة، والإصلاحُ القيمي والإنساني الذي نحن بأمس الحاجة أليه لاستعادة الوطن...".
تحدّث افرام من مقام لا يستضيف إلاّ قامات وطنيّة منزوعة عنها كل صفات الطائفيّة والمذهبيّة، وممزوجة بفكر الانفتاح والتلاقي والحوار والوطنيّة.
ولكن اللافت إطلالة افرام، وبأقل من 24 ساعة، من عاصمة طبعتها السياسات المتعاقبة بطابع العجز والفقر والتطرّف، وبتعتيم كامل عن موقع طرابلس الاستراتيجي في السياسة والاقتصاد وموقعها الجغرافي كصلة وصل اقتصادية تجارية بين أوروبا والشرق الأوسط!