صراحة في المواقف لا وحدة المواقف
في خضم هذه الأحداث المجنونة، لا بد للمرء أن يقف لبرهة ويفهم ما الذي جرى خلال الأسابيع الماضية من تغيير كلي في المشهد العسكري السياسي والإنقلاب المفاجئ في الرأي العام العالمي، الذي، ولأول مرة، إزاح بصره عن ما يجري في غزة من خسارة كبيرة في الأرواح وللممتلكات لدي المدنيين.
الأمر كله ابتدأ يوم ٧ تشرين الأول، يوم هاجمت حMاس غلاف غزة وفاجئت الإسرائيليين، عسكريين ومدنيين، مما أدى الى مقتل حوالى ١٤٠٠ إسرائيلي حوالى ٢٠% منهم عسكريين والباقي مدنيين. ويبدو أن حMاس التي تفاجئت بسهولة الإختراق والهيمنة الميدانية، لم تستطع أن تلجم مقاتليها عن إرتكاب مجزرة في حق المدنيين
في المستوطنات، أما المجزرة الأكبر، كانت في ذلك الحفل الموسيقي والذي كان يضم مواطنين من مختلف أنحاء العالم والتي جابت صور مقتلهم وملاحقتهم من قبل مقاتلي حMاس العالم أجمع.
من هنا ابتدأ كل شيء، فمقتل المدنيين العزل من نساء وأطفال وشباب وعجز هو الذي أطلق شرارة الإنتقام الهائلة والمستمرة حنى يومنا هذا، والإسرائيليين الذين اعتبروها محرقة من نوع آخر، ولكن على ،رضهم والتي ولدت شعورًا بالخوف وعدم الأمان لكل المهاجرين الذين ينوون السكن في اسرائيل، عقدوا العزم على عدم تكرار ما حدث لهم في الحرب العالمية الثانية وأبلغوا العالم الغربي بذلك بوضوح وصراحة، فكانت الموافقة العالمية الغربية من القيادات والإعلام في أميركا وأوروبا والذين لا زالت لديهم عقدة عدم مساعدة الشعب اليهودي في أوروبا عندما أخذهم النازيون الى معسكرات الإعتقال والى المحرقة المشؤومة.
اليوم ليس ككل اليوم، اليوم بالنسبة للعالم الغربي مساندة غزة تعني وكأنك تساند داعش وتتمنى الموت للإسرائيليين... هذا الموقف ناتج عن عدم إستنكار أغلبية العالم العربي المجزرة التي ارتكبتها حMاس بحق المدنيين العزل في البيوت وعلى الطرقات وفي الحفل الموسيقي.
فبالنسبة للعالم الغربي وقادة الرأي فيه، من اليوم وصاعدًا على الحس الإنساني أن يطال كل إنسان على وجه الأرض وليس فقط من هو أقرب إلينا، لم يعد بالإمكان أن يفرح أحد لمقتل مدني من أعداءه ويقاتل العالم لدى مقتل مدني من أصدقاءه... الإنسان إنسان في اي مكان وزمان، وهذا فحوى وجوهر الإنسانية.
على اللبنانيين أن يعوا أن العالم الغربي قال كلمته لجميع الشعوب ومعناها: تريدون أن تستنكروا مقتل المدنيين الفلسطينيين هذا حقكم، لكن كان عليكم أيضًا أن تستنكروا مقتل المدنيين الإسرائيليين، هذه هي ببساطة تامة رسالة الرأي العام العالمي اليوم.
أما الملفت في هذه المعركة الوجودية هو صمت بشار الأسد حليف إيران وح- Z - ب الله صمت أبو الهول، أين هو ذلك الرئيس الذي شرَّد الملايين وقتل تحت ستار الصراع العربي الإسرائيلي مئات الالاف من شعبه؟ أين المظاهرات المليونية في إيران وطهران ذلك البلد الذي يُغرق منذ عام ١٩٧٩ البلاد العربية كل عشر سنوات بالنار والدماء والقتلى غير آبه بالناس ولا يستعملهم إلا وقودًا إعلاميًا ودماء تهدر من أجل حضارته التي يعتبرها أكثر رقيًا، فالعرب فبالنسبة له هم درجة ثانية من البشر يُضحي بهم بواسطة ميليشيات من لحمهم ودمهم يدفع لهم اجرتهم فيضحون بالجميع من اجل إيران ويقتلون أو يتسببون بقتل أبناء جلدتهم من أجله.
أما اسرائيل فهي اُعطيت سببًا وجيهًا لإيجاد حل لا مثيل له للإنتصار على الديموغرافيا التي كانت تهدد وجودها والتي مع الوقت كانت ولا تزال لصالح الفلسطينيين وهو التهجير الى سيناء، أنه الحل والذي ما كان من الممكن التفكير به لولا مجزرة حماس.
من هنا يسأل الجميع في لبنان نفس السؤال هل إيران وإسرائيل حلفاء أو أعداء؟ أعتقد أن أفضل جواب على هذا السؤال المستمر منذ زمن هو التالي: اسرائيل وايران مثل لاعبي كرة مضرب محترفين متنافسين، عندما يلعبا ضد بعضهم البعض على أحدهما أن ينتصر، لكن خارج الملاعب هم ليسوا أعداء، لكن الأهم أنه وفي بعض الأوقات يلعبان الزوجي سوية ضد البلدان العربية.
بعد هذا العرض للأحداث، على الأحزاب اللبنانية السيادية أن لا تركض وراء وحدة الموقف مع مختلف الأحزاب اللبنانية التي تدعي الممانعة، لأن وحدة المواقف قد تفسر شيكًا على بياض لح - Z - ب الله وأتباعه من حMاس وغيرها لاستعمال أرضنا لقصف اسرائيل، وبالتالي تحويل بيروت الى غزة. على الأحزاب اللبنانية وخصوصًا الاحزاب التي تدعي تمثيل المسيحيين أن تتوحد حول صراحة المواقف وأن تقول للاخرين من حلفاء وخصوم ان لبنان متعاطف مع ما يحصل للشعب الفلسطيني لكنه ليس مستعدًا بعد اليوم أن يدفع ثمن التعاطف مع الفلسطينيين من سيادته كما فعل عند عقد إتفاق القاهرة، والذي أوقع لبنان في ٥٠ عامًا من الحروب المستمرة ومئات الآلاف من القتلى...
في المحصلة، العميد ريمون اده والذي كان أبرز المعتدلين، وقف ومعه مجموعة صغيرة من النواب ضد اتفاق القاهرة والذي أعطى الفدائيين الفلسطينيين الحق بحمل السلاح على الأرض اللبنانية بعز التعاطف مع القضية الفلسطينية، بعكس كميل شمعون وبيار الجميل اللذين وافقا عليه وهما كانا من غلاة المسيحيين لكنهما فضلا الوحدة في المواقف عوض الصراحة في المواقف، علمًا أنهما لم يضطلعا حتى على مضمون ذلك الإتفاق، فهما تصرفا كمن يعطي شكًا على بياض للمنظمات الفلسطينية المسلحة على أرض لبنان.
أرجو اليوم أن لا يُعيد من أخذ مكانهما نفس الخطأ الذي ارتكبوه عام ١٩٦٩، لكن رغم كل ما أشرت إليه، أنا أعتقد إنه لا خوف من الشعب لكي يحاسبهم، فكما أعاد إنتخاب كميل وبيار عام ١٩٧٢ رغم ما تسببوا به عام ١٩٦٩، سيُعيد الشعب هؤلاء عام ٢٠٢٦ مهما كانت المواقف التي سيأخذوها اليوم، وأنا متأكد أنهم يراهنون على ذلك...