الأحد 01 تشرين الأول 2023

الأحزاب الحاكمة الحالية في لبنان: تعرف كيف تنتصر في الإنتخابات ولكنها لا تعرف كيف تمارس الحكم

الإثنين 19 أيلول 2022
المهندس طارق صقر
عضو مجلس حزب الكتلة الوطنية اللبنانية

في مسيرة كل حزب سياسي خاصتين لا غنى عنه لهما لكي يبقى ويستمر: الأولى وبطبيعة الحال هي الفوز بالإنتخابات وإثبات حضوره الشعبي، والثانية هي ممارسة الحكم والسلطة إن كان من خلال نوابه ووزرائه أو حتى رئيس لإحدى الرئاسات الثلاث يأتي من بين صفوفه...

في لبنان، أغلب الأحزاب التي تتبوأ السلطة فيه تعرف كيف تنتصر بالإنتخابات ولكنها لا تعرف أو لا تريد أن تمارس الحكم.

قد تكون هذه النتيجة متأتية من مراقبة دقيقه منذ نشوء دولة لبنان لتصرّف الناس تجاه الذين يمارسون الحكم، فالشعب اللبناني لا يقيم وزنًا كبيرًا لمن ينجح في وزارة أو نيابة أو مراكز مسؤولية، فخطاب واحد غرائزي كفيل بأن يجعل أكبر منجزات شخصية ما تذهب أدراج الرياح من أجل استنهاض لمشاعر الناس التي تلحق غرائزها لا عقولها.

أكبر مثال على ذلك عبر الزمن الإنتخابي الماضي، هو سقوط بيار اده في الإنتخابات النيابية، وكان بيار اده أحد أبرز الوجوه السياسية والنيابية ووزير للمالية آنذاك ومُنقذ لبنان على أيام إنهيار بنك "إنترا" وأول من اشترى أونصات ذهبية وجعلها ركيزة أساسية من الإحتياطي النقدى لليرة اللبنانية.

وقد لاحظ السياسيون اللبنانيون على مختلف طوائفهم أن أغلب الشعب اللبناني لا يأبه بمن يفيد المصلحة العامة، بل يهمه من يفيد مصلحته الخاصة وكأن المصلحة العامة التي تفيده أيضًا لا يشعر بها، كونها لا تمسه شخصيًا.

وإلا كيف يُفسر أنه في العام ٢٠٢٢ ينجح حفيد ميشال المر الذي لا باع له لا في السياسة ولا في الخدمة العامة في الحصول على آلاف من الأصوات إلا لأنه فقط حفيد ميشال المر.

وكيف يُفسر وصول ٣ وزراء طاقة من التيار الوطني الحر الى المجلس النيابي (جبران باسيل، سيزار أبي خليل، ندى البستاني) فشلوا فشلاً ذريعًا في إدارة ملف كهرباء لبنان ولم ينجحوا إلا في تحويل هذا الوطن من منارة الشرق الى جهنم العالم.

اما الأسوأ فهو التالي، تخيلوا في العام ٢٠١٨ إنتخب المسيحيون كتلة العماد عون أكبر كتلة مسيحية، وبعد الذي حصل في عهده من انهيار شامل اقتصادي وسرقة لأموال المودعين وانهيار الخدمات كلها، عادت الأغلبية المسيحية في العام ٢٠٢٢ لانتخاب من أتى بالعماد عون رئيسًا للجمهورية على رأس اكبر كتلة نيابية مسيحية. تصوروا بدل أن يحاسبوه مع العماد عون على الأخطاء التي ارتكبوها بحق الشعب اللبناني عن حسن أو سوء نية وليس هنا الموضوع، توجوه زعيمًا مع أكبر عدد من النواب المسيحيين وتليه كتلة العماد عون في المركز الثاني!!

ببساطة تامة، إن الشعب الذي لا يُدَفع قادته ثمن أخطائهم سيدفع هو الثمن وهذا بالتحديد ما حصل ويحصل في لبنان منذ عام ١٩٧٢ (الإنتخابات النيابية) وحتى يومنا هذا...

إنها المازوشية اللبنانية الإنتخابية والتي يأتي الشعب بمن يسبب له الألم من السياسيين لا من يُعطيه الأمل، لأنه يعتقد أنه بانتخابهم يؤلم أخصامهم الذي لا يطيقهم وهو لا يعلم أنه يمارس هواية جلد الذات بمساعدته على وصول الى الحكم من اوصلنا الى هذه الحالة.

في النهاية، النتيجة الأهم بالنسبة لتلك الأحزاب هي الفوز بالإنتخابات لا ممارسة الحكم، لأن أغلبية الشعب لا تُقيم الوزن الكافي لهذه الممارسة في حساباتها وقلة منه تُقيّم السياسيين على نتائج أفعالهم، فتبقى الأحزاب سنوات الحكم في فشل أو سبات لتنشط في آخر سنة انتخابية تصرف المال على الناس وعلى الإعلام وتثير الغرائز لأنها تعلم علم اليقين أن كل سنين الحكم لا تُحسب بالنسبة لمعظم المواطنين... فتلك الأغلبية تتأثر بآخر فترة زمنية قبل الإنتخابات بما يقال وبما ترى وقتها وبما تحصل عليه من خدمات.

وما الأصوات التي حصل عليها النائب السابق إميل نوفل في قضاء جبيل والنائب إيهاب مطر عن طرابلس في خلال ٣ أشهر من الحركة الإنتخابية فقط، إلا الدليل الساطع على ما نشير اليه، وهو لو تابع (النائب السابق اميل نوفل) حتى النهاية على نفس المنوال لكان ربما حقق المفاجأة مثل إيهاب مطر إلا أنه اكتفى بالعدد الذي وصل إليه وأثبت وجهة النظر التي نتكلم عنها.

إن ممارسة الحكم والنتيجة التي تأتي من وراء هذه الممارسة هي التي يجب أن تكون المعيار الوحيد لإعادة إنتخاب شخصيات أو أحزاب، على الشعب اللبناني أن يحسن من أداءه الضعيف أمام وقاحة وجرأة زعماؤه وأن يقاوم ضعف مناعته الشخصية تجاه خدمات إنتخابية تنفعه شخصيًا وتضر بالوطن، لكي يقول لا متى أراد ولا يذهب في جرير المونة الشخصية والديماغوجية التي عرف معظم السياسيين اللبنانيين كيف يمارسونها ليدخلوا الى جنة حكم لا يستحقوه من خلال عاطفة شعب يلحق دائمًا بالشعبوية المضللة على حساب الأفكار النيّرة...

نبتسم ونُقبّل ونأخذ الصور والسيلفي مع من نستلطف ونحب لكن ننتخب من لديه القدرة على الإفادة لا من لديه الرغبة بالاستفادة... لأن ابتسامة الإستفادة تكون محصورة بعدد قليل من الأشخاص وتكون محدودة في الوقت وعلى حساب أحد ما، بينما إبتسامة الإفادة تكون على مساحة الوطن وتبقى لأجيال لشعب بكامله...